الغزو اللهجوي
قبل الاحتفاء باليوم العالمي للغة العربية ربما كان من اللازم علينا أن نحدد أولا موقع هذه اللغة الرسمية من واقعنا الذي يشهد اجتياحا مستمرا من الدارجة للغة الفصحى في إداراتنا ومصالحنا ووسائل إعلامنا، تزامنا مع استمرار تأثير مواقع التواصل الاجتماعي سلبيا على اللغة العربية، وتهافت الأسر على تعليم أبنائها بمناهج التعليم الفرنكفوني، وإطلاق قواميس بالدارجة، وعجزنا عن السيطرة عن مظاهر الغزو اللهجوي ولا حتى تشخيصها أكاديميا واقتصاديا.
إن المتخصصين في اللغة العربية وتدريس مناهجها وأصولها أنفسهم غير متفائلين بمستقبل هذه اللغة التي شابها نفور من الصعب تحديد أسبابه، فأصبح الدارس لهذه اللغة على قولهم كمن يقوم بتحليل الملح دون تذوق طعمها، وكمن يشخص ويكشف ويشرح النص الأدبي كما لو أنه مريض أو جريح أو جثة؛ فكثرة المناهج تزامنت معها قلة النتائج، لأن الطالب فاقد لحاسة تذوق النص وتحقيق متعة ملامسته. كما أن عددا من العائلات ضد توجيه أبنائها نحو كليات الآداب التي لا توجه أصحابها سوى إلى مهن التعليم، كما أن المقررات لا تحبب اللغة العربية للمتعلم، وبالرغم من كون جامعاتنا أصبحت تستقبل طلابا من تركيا وإسبانيا والصين ليدرسوا اللغة العربية في مدرجاتها، طالبين العلم من المغرب وليس من الصين، فإن هذه اللغة الناقلة للمشاعر والشرائع والشعائر ما زالت في حاجة إلى الكثير، فلا يمكن للبلد أن يتطور ويبدع ولديه مشاكل في الحفاظ على لغته الرسمية.
طبعا، وجب التذكير بأن الخصومة بين اللغة العربية واللهجات العامية يعود إلى ماض بعيد، ففي حوار مع عميد الأدب العربي طه حسين، سئل عن قضية اللغة الفصحى واللغة العامية، فقال إنه من أنصار اللغة العربية ومن خصوم العامية، وبأنه لا بأس في أن تدخل على الكتابة كلمات قليلة بالعامية؛ لكنه يكره أن تكون الكتابة بأكملها بالعامية مع نبذ اللغة العربية نبذا تاما، لأن اللغة العربية هي الطريقة الوحيدة لتحقيق الوحدة بين الأمم العربية من المحيط إلى الخليج، وتحدث طه حسين عن زيارته للمغرب وكيف استقبله الملك الراحل محمد الخامس وقال له: « مسرورون بالموقف ديالكم »، ويعني بذلك مسرور بموقف مصر من استقلال المغرب، لكن طه حسين لم يفهم معنى كلمة « ديالكم » في حينها، إلا فيما بعد اللقاء وبعد سؤال أشخاص عديدين عن معناها.
غادة الصنهاجي