Édition,
investigation
et débat d'idées

الفلاحة الإيكولوجية بالمغرب : نموذج بيئي بديل يقاوم التهميش

الفلاحة الإيكولوجية بالمغرب: عشرون سنة من التجربة، تحتاج الدعم والتثمين

برزت خلال بداية الألفية الثالثة بالمغرب، مجموعة من ممارسي الفلاحة الإيكولوجية. منهم من سبق أن مارس الفلاحة من قبل، ومنهم من أتى من مجالات أخرى، واختار العودة إلى القرية أو ضواحي المدينة لتشييد مزارع للفلاحة الإيكولوجية. هذه الأخيرة تعد بديلا للفلاحة  الأحادية، التي تعتمد على تقنيات ومدخلات كيماوية وتقنية، لها آثار بيئية ؛ على التربة والماء والهواء والتنوع البيولوجي. وأيضا على صحة الإنسان، سواء تعلق الأمر بالفلاح/ة أو المستهلك/ة. إذ تؤكد عدة تجارب ودراسات وأبحاث، على أضرار الأسمدة والمبيدات الكيماوية على البيئة وصحة الإنسان. تقدم الفلاحة الإيكولوجية، بالمقابل، بدائل وتقنيات فلاحية صديقة للبيئة، كتخصيب التربة بالأسمدة العضوية، والتنوع البيولوجي، والحفاظ على البذور الأصلية، وعقلنة وترشيد استعمال الماء في الفلاحة. إن الفلاحة الإيكولوجية، حسب شبكة مبادرات الفلاحة البيئية في المغرب،  » بديلا عن التدهور الكبير للتربة، وانعدام الأمن الغذائي، والفقر وهجرة المزارعين نحو المراكز الحضرية، وحلا لبلد كالمغرب، الذي لا زال ثريا بنسبة عالية ويتميز بفلاحة عائلية، إضافة على أن أكثر من 90% من أراضيه معنية بالجفاف ». إذ يطمح ممارسي الفلاحة الإيكولوجية إلى جعلها نظام غذائي، يحظى بالدعم من قبل السياسات العمومية الفلاحية بالمغرب، لقدرتها على التصدي للتحديات العالمية المرتبطة بالتغيرات المناخية والأمن الغذائي، اللذان أصبحا يهددان المجتمعات الإنسانية أكثر من أي وقت مضى.

La ferme Fçila de Jihad El Malih

الفلاحة الأحادية والتدهور البيئي

يعد مخطط الجيل الأخضر (2020-2030)، وقبله، مخطط المغرب الأخضر (2008-2020) من بين أهم الاستراتيجيات الفلاحية التي عرفها المغرب، من أجل تحقيق تنمية فلاحية قادرة على تغطية حاجيات السوق المحلية والخارجية. وهو ما يتطلب بالضرورة استعمال المواد العضوية والكيماوية من أجل بلوغ هذا الهدف؛ كمبيدات الحشرات، مبيدات الأعشاب، الأسمدة الكيماوية والمعدنية، والبذور المعدلة جينيا، تم المكننة والزراعة الأحادية من أجل الرفع من المحاصيل الزراعية. هذه التقنيات الزراعية المستخدمة، كان لها دور أساسي في التدهور البيئي، بل وأيضا في تشكيل خطر على صحة المستهلك. إذ أكد تقرير المجلس الأعلى للحسابات، الصادر سنة 2018، من خلال مراقبته لعمل المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية ONSSA، « عن غياب مراقبة بقايا المبيدات في الفواكه والخضروات الموجهة للسوق المحلي، عكس المنتجات المعدة للتصدير. بحيث يؤدي سوء استخدام المبيدات من خلال عدم احترام المقدار المصادق عليه، وكذا عدم احترام مدة ما قبل الجني التي تفصل بين العلاج الكيميائي وجنى المزروعات، إلى وجود نسبة عالية من بقايا المبيدات في الفواكه والخضروات، مما قد يسبب مشاكل خطيرة على صحة الإنسان والبيئة ».

يؤدي تحويل مساحات شاسعة من الأراضي إلى مزارع لنوع واحد من الزراعات، إلى عواقب وخيمة على تدهور الوضعية البيئية للماء والهواء والتربة، وهذا ما أكده التقرير الرابع حول الحالة البيئية بالمغرب . فالفلاحة في المغرب هي المستهلك الرئيسي للموارد المائية بنسبة 87.3 في المائة، كما أن الاستعمال المفرط للأسمدة في الفلاحة والتي تصل كميتها إلى 1 مليون طن سنويا، مسؤولة عن جزء من تدهور الفرشة المائية. في حين تعتبر صناعة الأسمدة الكيماوية المستعملة في الفلاحة، مصدرا رئيسا في انبعاث الغازات التي من شأنها أن تلوث الهواء، وهو نفس الشيء الذي ينطبق على استعمال مبيدات الحشرات وحرائق استصلاح الأراضي الفلاحية، وكذلك حبــوب لقاح أنـواع نباتية معينـة التـي تحـدث حساسية موسمية تصيب شريحة كبيرة من السكان. وتساهم من جانب آخر بعـض الممارسات الفلاحية فـي تدهـور التربــة، إمــا مــن خــلال زيــادة نســبة الملوحة أو تلويثها بالمـواد الكيميائيـة أو عن طريق المكننة، الذي بلغ معدلها سـنة 2018 تســع جــرارات لـكل ألـف هكتار ، كمـا تتأرجح كميـة الأسمدة التـي يتـم إضافتها إلى التربة الفلاحية حوالي مليون طن كل سنة.

إن الفلاحة الأحادية، لا تؤثر فقط على التدهور البيئي وصحة المستهلك، بل وأيضا على العاملين في القطاع، خاصة النساء العاملات في الضيعات الفلاحية، اللواتي يتعرضن لاستغلال متعدد الأوجه. فمن الناحية القانونية والاقتصادية؛ حيث تعمل الكثير منهن بدون عقود وأجور زهيدة، ولا يتم تسجيلهن في صندوق الضمان الاجتماعي (بدون تغطية صحية ولا تأمين صحي). ومن ناحية أخرى يصبحن عرضة للاستغلال والتحرش الجنسيين. أي يشتغلن في ظروف غير آمنة نفسيا، اقتصاديا، واجتماعيا، مع العلم أن القطاع الفلاحي بالمغرب يشغل النصف تقريبا من مجموع النساء النشيطات، بنسبة تصل 46,9%.

حسب جهاد المليح، فإن « أي تقنية فلاحية لا تستمد قوتها من النظام الطبيعي، تكون لها آثار بيئية، فالحرث مثلا الذي يكون بالمكننة والآلات، ينتج عنه تحرير الكاربون الذي كان مخزنا في الأرض لسنوات عديدة بعد فتح التربة، وبالتالي يساهم في انبعاث الغازات. إذ تؤكد الدراسات أنه في هكتار واحد، وبعد 24 ساعة من عملية الحرث، تنبعث وتضيع منا 419 طن من غاز ثاني أكسيد الكربون، وتذهب نحو الغلاف الجوي، وهو ما يزيد من الغازات الدفيئة، التي تقوي بدورها من حدة الاحتباس الحراري. ومن جهة ثانية فالكائنات المجهرية والكائنات المرئية كديدان الأرض، الذين يعدون بالأطنان في الهكتار الوحيد، تقوم عملية الحرث بالقضاء عليهم، نظرا لأنهم يعيشون على مستوى قريب، ما بين 5 و10 سنتمتر، من سطح التربة. هذه الكائنات التي لها دور مهم في الاستدامة وينتجون ما يسمى بالذبال (الكمبوست)، ففي سنة 1950، كانت توجد 5 طن من ديدان الأرض في الهكتار الوحيد، وأصبحت في آخر تقرير صادر سنة 2010 أقل من 100 غرام في الطن الواحد. كما أن الحرث يساهم في انجراف التربة وفقدان بنياتها وتعريتها، وهو ما يساهم في حدة الانجراف ». إلى جانب المكننة، « تساهم الأسمدة الكيماوية بدورها القضاء على الكائنات المجهرية والتنوع البيولوجي والغطاء النباتي، وفي النهاية ما ينتج من هاته التربة، يقتل الكائنات التي تعيش في الإنسان، وهو ما ينتج عنه أمراض مستعصية بعدما يتغذى الإنسان على خضر وفواكه تحتوي على أسمدة كيماوية ».

من هذا المنطق يرى جهاد المليح، أن الفلاحة الإيكولوجية، « تتدخل فيها مجموعة من الفاعلين، فيها السياسي القادر على دعم الفلاح الإيكولوجي، وإصدار قرارات تجرّم استعمال الحبوب المعدلة جينيا، ومنع استيراد الأسمدة الكيماوية التي تضر بالطبيعة. فيما الجهات الوصية، كوزارة الفلاحة والمياه والغابات، عليها أن تولي الاهتمام بهذا المجال. وأيضا المؤسسات التعليمية في مجال الفلاحة، عليها أن تطور مزيد من البحث وتمويل الأبحاث في هذا المجال. بحيث تبين بشكل ملموس اليوم، أن الفلاحة الكيماوية وصلت إلى حدها، لم تستطع مواكبة تغيرات المناخ وارتفاع أسعار المواد المستوردة، كالبذور المعدلة جينيا، والتي أدت إلى القضاء على استقلالية الفلاح، والأسمدة الكيماوية التي يرتفع ثمنها سنة بعد سنة، ولم يعد لها مفعول، فالحشرات والأعشاب الطبيعية كونوا مقاومة، كما أن البذور الهجينة تستهلك الماء بكثرة. وهو ما جعل الفلاحة الكيماوية غير قادرة على الصمود أمام الجفاف، وحفّز الكثير من الفلاحين في الفلاحة الكيماوية، في السنتين الأخيرة، للبحث عن بدائل في الزراعة الإيكولوجية، لأنها تخلق استقلالية من ناحية التسميد والبذور، أي نظام بيئي مقاوم للتغيرات المناخية، فالبذور الأصيلة تتأقلم مع الجو سنة بعد سنة، وتورث جينات المقاومة لأبنائها، عكس البذور الهجينة المصنعة في شركات، التي تتأقلم أكثر مع المبيدات الحشرية ».

فضلا عن كل هذا، فإن الاعتماد على البذور المعدلة جينيا حسب جهاد المليح دائما: لها خطر بيئي كبير جدا. فهي « المسؤولة على اندثار التنوع البيولوجي، فمثلا الطماطم توجد فيها أزيد من 800 نوع، بأشكال وألوان وأذواق مختلفة، انقرض أغلبها بفعل المكننة واستحواذ الشركات الصناعية على هذا المجال. وأدت عملية التهجين هاته، إلى عدم استقلالية الفلاح، الذي أصبح كل سنة مجبرا على شراء البذور، أي قضت عملية التهجين شيئا فشيئا على الاستدامة وتحقيق الاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي، الذي أصبح يتأثر بالأزمات والحروب بين الدول. فالتهجين يخدم فقط مصلحة الشركات، وليس المستهلك أو الغذاء. فمن بين التعديلات مثلا التي تحدث للبذور، هي أن تصبح المنتجات ذات قدرة تخزينية أكبر، وهو ما يقضي أكثر على المواد المغذية في هذه المنتجات ».

الفلاحة الإيكولوجية كحل بيئي

على الرغم من التدهور البيئي الذي تخلفه الفلاحة الأحادية، والتأثيرات الصحية والاجتماعية لهذا النوع من الفلاحة، لا يزال المغرب يتبعها من خلال مخططه الجديد في القطاع الفلاحي؛ الجيل الأخضر (2020-2030). في الوقت الذي يعتمد كثير من الفلاحين اليوم بالمغرب على الفلاحة الإيكولوجية كحل بيئي من شأنه أن يشكل بديلا للفلاحة الأحادية المعتمدة في السياسة الفلاحية المغربية. فحسب جهاد المليح، فالفلاحة الإيكولوجية « أصبح لها إقبال وخلقت حافزا بالنسبة الفلاحيين الذين يرغبون في خلق بديل اقتصادي، من أجل مقاومة غلاء أسعار المبيدات، والبذور، وتحقيق نوع من الاستقلالية ومقاومة الاحتباس الحراري. أو بالنسبة للفلاحين الجدد، الذين لم يسبق لهم أن مارسوا الفلاحة من قبل، وأصبحت لهم رغبة في الاستقرار في البادية وفق نمط عيش إيكولوجي ».

في سنة 2001 وبعد زيارة (بيير ربحي Pierre Rabhi 1938-2021)، أحد مبدعي الزراعة الإيكولوجية إلى المغرب، تأثر العديد من الناس بهذا النوع من الزراعة البيئية، وبدأوا بتجريب ممارسات الزراعة الإيكولوجية والتحسيس ونشر الوعي لدى الساكنة المحلية. إذ كانت تجربة موقع دار بوعزة تجربة رائدة في هذا الصدد، عندما قامت فطومة بن عبد النبي الجيراري، بتأسيس حديقة تعليمية سنة 2003، وهو ما ساهم في رفع مستوى الوعي بأهمية الزراعة الإيكولوجية لدى الساكنة والسلطات المحلية، بعدما تم إطلاق سلسلة من الدورات التدريبية ونشرها على نطاق واسع. هذا التطور الذي حصل في الزراعة الإيكولوجية في المغرب، كان تحت أنظار ومتابعة بيير ربحي Pierre Rabhi، الذي كان يدعم هذه الأنشطة من خلال جمعيته الأرض والإنسانية فرع فرنسا. وهو ما جعل من الممكن تأسيس جمعية الأرض والإنسانية فرع المغرب سنة 2005.

استمرت الجمعية في نشاطها في تكوين المكونين والنشر والبحث والتجريب في الزراعة الإيكولوجية، خاصة في الحديقة النموذجية دار بوعزة. ليس فقط كفلاحة مستدامة وإنما أيضا كمنط عيش مسؤول؛ من خلال نشر أهمية الاعتماد على الأكل الصحي، ونظام التضامن بين المدينة والقرية. وتوقيع اتفاقيات شراكة بين الجمعية ومختبرات البحث في الجامعات، من أجل بناء قدرات المزارعين والأكاديميين على حد سواء.

لقد انتبه رواد الفلاحة الإيكولوجية بالمغرب لدور المرأة في الفلاحة. لذلك أطلقت جمعية الأرض والإنسانية بداية من سنة 2011 مشروع « بذرة المرأة »، الذي تأسس من ملاحظة أن دور المرأة في الزراعة مهمش، في حين أنها أحد الفاعلين الأساسيين. بدأ هذا المشروع في مزرعة دار بوعزة التعليمية، وكان يهدف إلى تدريب عدة مجموعات من النساء على إنتاج البذور المحلية والحفاظ عليها، حتى يتمكنوا من تطوير أنشطة مدرة للدخل مرتبطة ببيع البذور. ليتطور فيما بعد على نطاق واسع ويشمل مناطق أخرى من المغرب سنة 2014. فعلى خلاف المكانة التي توجد عليها المرأة في الفلاحة الأحادية كعاملة في الضيعات، تحظى المرأة العاملة والمنتجة في الفلاحة الإيكولوجية باحترام كبير من قبل زملائها والمستهلكين.

إن جمعية الأرض والإنسانية ليست الإطار الجمعوي الوحيد الذي حاول نشر الفلاحة الإيكولوجية بالمغرب، وإنما أيضا جمعية شبكة مبادرات الفلاحة البيئية بالمغرب. هذه الجمعية التي تأسست سنة 2015، وكانت نتيجة اللقاءات الوطنية التي نظمها الفاعلون في الفلاحة الإيكولوجية في المغرب سنة 2013 والتي حضرها أزيد من 150 مشارك. يركز عمل الجمعية على « جعل عملها منصة للإخبار والتواصل بين الفاعلين للإجابة على إشكالياتهم، من خلال تقاسم التجارب وتنظيم التكاوين وتمويل وتجميع الوسائل ودعم مبادرات الفلاحة الإيكولوجية في المغرب، وجعلها مرئية وتحظى باعتراف مشترك. تم زرع بذور الوعي وسط المجتمع المدني ككل، ونشر البدائل والتوعية، وتشجيع مبادرات الفلاحة الإيكولوجية ». لهذا « نظمت جمعية ريام خلال 2016 و2017، ثمانية منتديات جهوية للفلاحة المستدامة، توجت أواخر سنة 2018 بتنظيم المؤتمر الوطني للانتقال إلى الفلاحة الإيكولوجية ».

إن القيمة المضافة التي جاءت بها جمعية شبكة مبادرات الفلاحة البيئية في المغرب، هي « الربط بين المنتجين والمنتجات والنشطاء والمستهلكين، حيث يعتبر مشروع الأسواق الفلاحيين التضامنية وشبكات تسويق السلاسل البيولوجية، أهم أهداف وإنجازات الجمعية، بالإضافة إنشاء علامة الفلاحة البيئية في المغرب، بناء على نظام تشاركي للضمان SPG، والذي يختلف عن شهادة البيو الممنوحة من طرف الدولة ». هذا النظام الاجتماعي للضمان في نظر جهاد المليح؛ « يتأسس على احترام دفتر تحملات صارم، من ناحية أجور العاملات والعاملين في المزرعة التي يجب أن تكون متساوية بين الرجال والنساء، تسجيل العاملات والعاملين في التغطية الصحية، إشراك العاملات والعاملين في التكاوين، نظافة المزرعة، تشجير المزرعة، تتبع كل مدخلات المزرعة من بذور وغيرها، ومنع تصدير وبيع خضر في منطقة بعيدة أكثر من 100 كيلومتر (نقص من انبعاث الغازات)، منع تلفيف في البلاستيك، ومنع البيع للوسطاء. فهذا ما يجعل من الزراعة الإيكولوجية تتميز بجانبها الإنساني، والاجتماعي والاقتصادي والبيئي، فهي القادرة على خلق توازن بين مجمل هذه الركائز ».

الفلاحة الإيكولوجية، فلاحة الأجداد

يحيل مفهوم الفلاحة الإيكولوجية على: « الزراعة التي تعتمد نظام فلاحي شامل يدمج الاعتبارات الزراعية والبيئية والمناخية والاقتصادية والاجتماعية في نفس الوقت، أي نهج فلاحي مستدام دون مدخلات كيماوية ودون استهلاك الكثير من المياه والطاقة، تقوم على تعزيز إحياء التربة والتنوع البيولوجي وإنتاج زراعة طبيعية متعددة المحاصيل وذات جودة عالية صحيا ». فالفلاحة الإيكولوجية حسب صلاح الدين العزوزي: « هي ببساطة الفلاحة التقليدية التي كان يمارسها الأجداد، لكن هذه المرة تعتمد على معطيات علمية؛ كالبيولوجيا والجيولوجيا وعلم التغذية وعلم الزراعة وعلم النباتات والمناخ ».

تشكل الفلاحة الإيكولوجية بديلا، « للنموذج الفلاحي الذي تهيمن عليه الصناعة، بحيث تعتمد على ملاحظة القوانين الطبيعية، من خلال إعادة النظر في مجموعة من التقنيات الفلاحية وتقترح ممارسات مبتكرة كالحد من خدمة الأرض عبر عملية الحرث، وإعادة تدوير المادة العضوية، والمقاومة البيولوجية ضد الآفات الزراعية، وتنويع الدورات الزراعية وطرق الزراعة المرافقة، وتثمين الأصناف المحلية سهلة التكاثر، وإنتاج البذور المتنوعة، واندماج أكبر للزراعة مع تربية الماشية ». إذ يعتقد ممارسي الفلاحة الإيكولوجية أن التنوع البيولوجي يساهم في التأقلم مع التغيرات المناخية. يشير جهاد المليح، إلى أن الفلاحة البيئية؛ « عبارة عن علبة مكونة من مجموعة من البدائل مستمدة من النظام الطبيعي، تهتم بالمحافظة على البيئة والموارد الطبيعية (التربة، الماء، الهواء، التنوع البيولوجي)، والإنسان بدوره جزء من النظام البيئي، فالمحافظة على البيئة والموارد الطبيعية، هو في نفس الوقت محافظة على الكائنات التي تعيش داخل الإنسان (بكتريا، فطريات)، والتي تتأثر بما يتغذى عليه الإنسان، وخلو الغذاء من المبيدات يساعد على تكاثر هذه الكائنات، والعكس صحيح، فكما تقتل المبيدات ما يغذي التربة تقتل هذه الكائنات، وهو ما يؤدي إلى إضعاف المناعة القادرة على صد الأمراض ».

تستند الفلاحة الإيكولوجية على إصلاح التربة بدل الحرث، إذ يعتمد ممارسي الفلاحة الإيكولوجية على ما يعرف بالفلاحة التجديدية وهي « مجموع الممارسات التي تهدف إلى تحسين جودة التربة وتجديد خصوبتها بشكل طبيعي وتحسين القدرة الإنتاجية ». ففي الفلاحة الإيكولوجية حسب جهاد المليح « يستعملون ما يسمى بتقليد الطبيعة، ففي الطبيعة لا توجد آلة ميكانيكية تحرث، فالآلة الميكانيكية من صنع الإنسان، والحرث الذي يقع في الطبيعة يكون بطريقة بيولوجية، من خلال الحرث الذي تقوم به ديدان الأرض والكائنات المجهرية، وهو حرث مستدام لا توجد حاجة لتكراره كل عام كما هو الشأن في الفلاحة العصرية ». إن البديل الذي تقدمه الفلاحة الإيكولوجية حسب جهاد المليح دائما، هو « العمل خلال السنة الأولى على تهوية الأرض من خلال آلة « المذرة » وهو ما يجعل من الممكن بقاء كل طبقة في الأرض في مكانها. أو العمل على تأسيس غطاء نباتي كثيف يتكون من مجموعة من البذور كالشعير والفصة والخرطال والجلبان والفول. دورهم هو تقليد الطبيعة في حالة عدم تدخل الإنسان، والمساهمة في نشأة نباتات، لها دور كبير في تهوية التربة، ويعوضونها من النقص. أي يصبح الحرث بيولوجيا عن طريق هذه الجذور، التي تقوم بصنع منافذ التهوية، ومنافذ نزول مياه الأمطار، ويساهمون في عدم انجراف التربة، كما تتغذى في نفس الوقت الكائنات المجهرية على هذه الجذور ».

فضلا عن ذلك، تعتمد الفلاحة الإيكولوجية على الأسمدة العضوية عوض الأسمدة الكيماوية؛ إذ يستند ممارسي الفلاحة الإيكولوجية على الفلاحة البيولوجية، وهي الفلاحة « التي لا تستخدم المنتجات الصناعية الكيماوية وتعوضها بطرق أخرى كالنباتات والحيوانات ». ففيما يخص التسميد، يعتبر جهاد المليح « أن هناك عدة طرق للتسميد في الفلاحة الإيكولوجية؛ فهناك طريقة التخمير أو الكومبوستاج؛ وهي تتكون من فضلات الحيوانات التي يتم خلطها مع التبن الغني بمادة الكربون، وهو ما يساعد على خلق توازن بين المواد الكربونية والمواد الأزوتية، وهذا ما يُكون سماد عضوي للاستعمال في التربة، ويتم الاعتماد على هذه الطريقة في التسميد، في الغالب فقط كبداية، نظرا لصعوبتها والوقت والجهد الذي تتطلبه، كما أنه غير مستدام، فمفعوله لا يتجاوز سنتين أو ثلاث سنوات. فتقليد النظام الطبيعي كما هو، يتطلب الاعتماد على النباتات والأشجار، كبقايا النباتات الميتة وأوراق الأشجار التي تسقط خلال فصل الخريف. هذا ما يُكوّن مادة كربونية تعمل الكائنات المجهرية على تحويلها إلى مواد عضوية تتغذى عليها التربة، أي يصبح نظاما بيئيا طبيعيا يغذي نفسه بشكل آلي، ويشتغل من خلال إعادة تدوير المواد العضوية ».

إضافة عن ذلك، تستند الفلاحة الإيكولوجية على ما يعرف بالفلاحة المستدامة؛ وهي « نهج فلاحي شامل قائم على الطبيعة، هدفه تطوير أنظمة فلاحية متآزرة تقوم على تحقيق التنوع الفلاحي وتنوع المحاصيل، وتكوين نظام مستدام اقتصاديا وعلى المدى الطويل ». أو بتعبير حمزة بناني، من رواد الفلاحة الإيكولوجية بشمال المغرب:  » فالفلاحة الإيكولوجية تقوم على إعادة استهام طريقة عمل النظام الطبيعي، الذي تم تخطيها وتجاوزها مع بروز المكننة والأسمدة الكيماوية ومبيدات الحشرات والأعشاب ». حيث يساهم نظام الحراجة حسب جهاد المليح: « وهو نظام يقوم على غرس الشجر بجانب الخضر في عملية الحرث البيولوجي في العمق. بالإضافة إلى أن سقوط أوراق الشجر خلال الخريف يساهم في إنتاج السماد العضوي أو ما يسمى بالذبال الغابوي. وهو ما يزيد من استدامة التربة ويغذيها في السطح والعمق. بعد مدة طويلة من اعتماد هذه العملية في إصلاح التربة تتم إعادة تكون الطبقة الغنية في التربة والتي تم القضاء عليها من خلال الحرث ».

وأخيرا، يعتمد المشتغلون في مجال الفلاحة الإيكولوجية نظاما معروفا جدا في المغرب القديم، وهو تبادل البذور غير الرسمي. فالبذور التي تزرع في حقل معين هذا العام، تزرع في حقل غيره في العام التالي، من أجل الرفع من مناعة هذا الأخير وقدرته على المقاومة في مختلف الأوساط المناخية ». إن الحفاظ على البذور الأصيلة، هو ما يقدم لنا أكل صحي وأمن غذائي مستقل، حسب جهاد المليح: « فالمنتجات الغذائية المنتجة بواسطة بذور أصيلة، غنية بثماني مرات أكثر من الخضر والفواكه من بذور هجينة، أي أنه وعلى سبيل المثال، عشرون كيلوغراما من الطماطم المنتجة من بذور مهجنة، يساوي في القيمة الغذائية كيلوغراما واحدا من الطماطم المنتجة من بذور أصيلة ». إضافة إلى ذلك « فالبذور الأصيلة، سنة بعد سنة، تتعلم الصبر ومقاومة الجفاف، في إطار ما يعرف بالانتخاب الطبيعي والبقاء للأصلح، على عكس البذور الهجينة التي تستهلك الماء بكثرة ».

الفلاحة الإيكولوجية: الحدود وإمكانيات التطبيق

تعترض الفلاحة الإيكولوجية في المغرب العديد من الصعوبات. فحسب حمزة بناني، « فالفلاحة الإيكولوجية حل لمشاكل البيئة، ولكن ليس فقط لوحدها، لأن مشاكل البيئة لا تأتي فقط من الفلاحة وإنما أيضا من السلوك الاستهلاكي ونمط العيش، حيث يجب أن يتغير النظام بأكمله وفق فلسفة تحترم البيئة ». بالإضافة لذلك، فمنتوجات الفلاحة الإيكولوجية في المغرب مرتفعة الثمن، مقارنة بأثمنة منتوجات الفلاحة الصناعية، بحيث يتم ربط ذلك في الغالب بقلة المحاصيل، وهو ما يطرح أيضا قدرة هذا النوع من الفلاحة على تحقيق الاكتفاء الذاتي. يبرر حمزة بناني ارتفاع أثمنة الفلاحة الإيكولوجية بكون » الفلاحة الإيكولوجية معرضة أكثر للخسائر، فهناك بعض الآفات الزراعية التي تعجز التقنيات والبدائل الفلاحية على معالجتها ». كما أن « كلفة الإنتاج في السنوات الأولى تكون جد مرتفعة، وغياب دعم الدولة في هذا المجال، بخلاف الفلاحة الكيماوية التي تحظى بالدعم في الأسمدة والحبوب، وكذا صعوبة الحصول على البذور الأصيلة المرتفعة الثمن والتي يمنع استيرادها ». هو ما يجعل منتوجات الفلاحة الإيكولوجية مرتفع، حسب جهاد المليح. هذه الصعوبات لا تواجه فقط ممارسي الفلاحة الإيكولوجية في المغرب، بل وأيضا في بلدان أخرى. إذ يرتبط ذلك بالقدرة على منافسة الفلاحة الصناعية (الأحادية)، التي تزود بمحاصيل زراعية كبيرة. يتعلق الأمر هنا بالعرض والطلب، فعدم استهلاك منتوجات الفلاحة الإيكولوجية على نطاق واسع، لن يؤدي إلى انخفاض في الأسعار. أي أن تطور الفلاحة الإيكولوجية في المغرب مرتبط بتطور وعي المستهلك من جهة، من خلال إقباله على اقتناء منتجاتها الصحية التي تحترم الظروف والشروط البيئية، ومرتبط من جهة ثانية، بتطور وعي الدولة، من خلال السعي وتسهيل ودعم انتشار ممارسة الفلاحة الإيكولوجية على نطاق واسع وفي استغلاليات كبيرة، من شأنها أن تنتج محاصيل كبيرة. وخير مثال على ذلك، تونس، حيث توجد حسب جهاد المليح: » عدة جمعيات تنشط في مجال الوعي والتحسيس، ويقام كل سنة مهرجان للبذور الأصيلة، يجتمع فيها الفلاحيين من كل تراب تونس، من أجل تبادل البذور والتقنيات، فتونس رائدة في هذا المجال، حيث يتم التحضير للسماح باستعمال هذه البذور وتعميمها من قبل الوزارة الوصية على القطاع، نظرا للوعي الكبير من طرف المستهلك الذي استوعب أهمية البذور الأصيلة، والفلاحين بدورهم الملتزمين باستعمال هذا النوع من البذور، نظرا لتأقلمها مع المناخ وندرة المياه والاحتباس الحراري والجفاف ».

عبد الصمد خضيري

À écouter aussi, le podcast du même auteur : Agroécologie: pour un futur meilleur de l’environnement et de l’humanité, ici.


Ce reportage a été réalisé dans le cadre de ;MediaLab Environnement, un programme conçu par CFI financé par le Ministère français de l’Europe et des Affaires étrangères. MediaLab Environnements’inscrit dans la stratégie internationale pour la langue française et le plurilinguisme.


عبد الصمد خضيري طالب دكتوراه في علم اجتماع، بجامعة عبد المالك السعدي-تطوان. يركز بحثه الحالي على موضوع الاستدامة البيئية في المجال الحضري. وهو حاصل على ماستر في علم اجتماع، تخصص تحولات اجتماعية ومجالية وحركات اجتماعية، من جامعة محمد الخامس سنة2019. يتناول في أحدث أوراقه المشتركة المنشورة، « تدبير الواحات المغربية: خطاب وممارسة مزدوجين »،وهي ورقة فائزة بالجائزة الثانية في مسابقة أوراق السياسات للمعهد المغربي لتحليل السياسات.

17 novembre 2022