Édition,
investigation
et débat d'idées

تنهدات من حنين دافئ

إنها تعرفني. تعرفني جيدا، ننحدر من نفس الدوار ونتقاسم نفس الجينات، تكبرني لكني كبرت أمامها. اختارتني كي أكون رسولا وأحكي ما يحدث لهذه الواحة، لم تعبر عن ذلك بصريح القول لكنها تواطأت معي بصمت. ككل من هاجروا الدوار بحثا عن مصير أفضل لم أكن أعود إلى الدوار سوى في العطل والأعياد ولصلة الأرحام. وحتى نتنفس هواء نقيا مختلفا عن ذلك الخانق في الدار البيضاء.

وقفت تحت نخلة يكاد ظلها ينعدم فقد مات جل الجريد وتقزم طولها، وصارت تعتليها صفرة شاحبة كإنسان مريض.

العصافير كأنها تعرضت للتهجير القسري والماء استسلم للحرارة الحارقة. والنبات صار هشيما يصلح للنار فقط. أثر الزمان والوباء والجفاف، كأن أدعية الزوايا والمساجد وكل الصالحين والعجائز لم تصل السماء. التمر والتين والجنان أصابتها لعنة الحياة. وحتى البشر خان الوعد ولم يبقى في الدوار سوى من تمسك بالوفاء والنزر القليل من الأمل.

تلقي « يزا » بصرها على امتداد واحة كادت تختفي. تتنهد المرأة الثلاثينية وقد بدا على وجهها أثر حسرة غطت ملامح سحنتها السمراء الجميلة.

تحدثني دون النظر إلي : « أتصدقين أن هذه الواحة سدت جوع كل الدواوير المجاورة ذات يوم؟ أتعلمين أن طول النخيل الفارع والشجر اليانع كان يتيهني عن طريق العودة للمنزل ؟ »

 تستمر متحدثة كأنها تناجي الجنين في بطنها فقط، كأن وجودي غير معترف به، لم يتبقى الكثير لأجل وضعي. « هل سأضع صغيري في هذا الخراب، أم علي أن أهرب نحو مدن « الزفت « ؟ هل سيكون جو المدينة ملائما لينشأ فيه طفل صحراوي .. لم يتبقى هنا سوى الأوفياء أعلي أن أخون أرضي؟ »

تدير وجهها نحوي أخيرا وترمقني بنظرة طفل فضولي يبحث عن الأجوبة.

أردت أن أعزيها فرحت أذكر طفولتي هنا وأعيد سيرة الواحة الساحرة والقصور القديمة والجلسات الحميمية وكل الصباحات المشرقة والليالي البيضاء. أستعيد آليات الري القديمة، والخطارات الشاهدة على عبقرية الإنسان الواحي، وكل تلك الممارسات التي عمل الإنسان ليستمر بها في ظل زراعة معيشية كانت تكفي ويتم الادخار منها للسنوات العجاف، حتى أصبحت كل السنوات عجافا.

تشاركنا الحسرة ثم قالت  : »الأرض غاضبة لأنها كانت أما للجميع في شبابها أرضعت من حليب ماعزها و أطعمت زيتون شجرها وثمار نخيلها. وما إن شاخت حتى تخلوا عنها. » استعاذت بالله وتحدثت  : »يالاه نحشوا للبهايم إلى لقينا شي. » ثم استدارت. تبعتها ساعدتها وجدنا الحشيش بصعوبة وزاد من ذلك أثر حملها. أوصلتها المنزل ثم افترقنا.

دخلت بيت جدتي أو الزاوية كما يسميها الجميع فجدي رحمه الله كان فقيه الدوار. جلست أفكر في كل ما سمعته وما يجب ان أقوم به، فلطالما قال أبي  : »لا ترجا خير فلي ما ينفع اهلوا وبلادو ». انكببت بمسؤولية أكتب مشروعا وهذه القصة لعلها تأتي بالنفع أو أجد عليها هدى. أخذ مني ذلك ساعات طوال من الدراسة والمقارنة والبحث حتى سمعت جدتي تناديني للورد الجماعي رفقة نساء الدوار والذي نقوم به قبل الشروع في غزل الصوف ونسج الزرابي. ارتديت « تاملحافت » وجلست متربعة أخذت كأس شاي ورحنا نردد جماعة : « الطالبين وما طلبوا. الراغبين وما رغبوا. الواقفين في باب الله سيادنا رجال الله. يا ربي تصب الشتا. يا ربي تزيان الصبا. » وآخر دعوانا اللهم : « اسقي عبادك وبهيمتك وانشر رحمتك واحيي بلدك الميت ».

صفاء بوالجداد

Safaa Bouljdad est sociologue et traductrice. Elle travaille sur les oasis à Zagora.
Ce texte a été réalisé dans le cadre de la session Storytelling for Climate, avec le soutien de la Fondation Heinrich Böll.

25 avril 2025